الصحفيات اليمنيات الأكثر تأثرا بالحرب والصراعات

انخرطت النساء في العمل الصحفي منذ نشأة الصحافة الحديثة وذكرت المصادر أن النساء في جنوب اليمن بدأن الكتابة بأسماء مستعارة مع نهاية الخمسينات. وكانت أول امرأة تعمل في الصحافة هي ماهية جرجرة المعروفة بماهية نجيب، التي تولت الإعداد والإشراف على صفحة “ركن المرأة” في صحيفة “اليقظة” الصادرة 1956م. أما في الشمال فكان اول مشاركة للمرأة في الصحافة العام 1960 عندما أنشأت صحيفة سبأ الصادرة من تعز صفحة للمرأة أسمتها “ركن المرأة” أشرفت على تحريرها حفيظة الجيلاني.
وشاركت المرأة في العمل الإذاعي منذ انطلاقته في جنوب اليمن 1954 بل كان اول صوت انطلق من إذاعة عدن هو للإعلامية صفية لقمان وكان له وقع وتأثير كبير على المستمعين جعلها حديثا للمجتمع. وكانت أيضا من أوائل الوجوه التلفزيونية عند تدشين تلفزيون عدن العام 1964. ومن إذاعة صنعاء كانت زهراء طالب هي اول صوت نسائي، والتي عملت لاحقا في تلفزيون صنعاء منذ انطلاقته العام 1975.
ومع ذلك ظل عمل المرأة في الاعلام قليلا جدا حتى تمت الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه العام 1990، وانتقال عدد من العاملات في المؤسسات الإعلامية في الجنوب للعمل في الشمال ما رفع من نسبة النساء الاعلاميات وشجع الأسر في الشمال للسماح لبناتهن بالالتحاق بالمؤسسات الإعلامية خاصة المطبوعة والمهن الإعلامية المرتبطة بالإذاعة والتلفزيون مثل الاعداد والإخراج والمونتاج.
ولكن التحول الأهم في تحسين تواجد المرأة الإعلامي كان انشاء قسم للإعلام في كلية الآداب بجامعة صنعاء العام 1991، ويعود الفضل في تأسيسه للإعلامية الرائدة الراحلة الدكتورة رؤوفة حسن الذي تحول إلى كلية مستقلة العام 1996 تضم ثلاثة اقسام، الصحافة، الإذاعة والتلفزيون، والعلاقات العامة والإعلان. تخرج منها حتى الآن 30 ألف طالب وطالبة.
وكان لافتتاح قسم الإعلام الدور الأبرز والاهم في تحسين نظرة المجتمع للعمل الإعلامي بشكل عام وعمل النساء فيه بشكل خاص. حيث أعطته الدراسة الاكاديمية الصفة العلمية بعد أن كان ينظر إليه بأنه عمل يعتمد على الجمال وحسن المظهر. ومنذ افتتاحه التحق عدد جيد من خريجات الثانوية به، ولكن أبحاثا سابقة وجدت أن اعداد خريجات الاعلام لا تتناسب طرديا مع عدد العاملات فيه حيث ان الطالبات يمثلن قرابة 50% من اجمالي عدد الطلبة الملتحقين بكليات الاعلام، لكن الملتحقات بالعمل نسبته تتفاوت من مؤسسة لأخرى ما بين 13% الى 17% كحد أعلى من العدد الإجمالي للعاملين وذلك في أكبر المؤسسات الإعلامية الحكومية.
حيث لايزال حضور المرأة الاعلامية هامشيا وغير مؤثر في المضمون والسياسيات الاعلامية ما يجعلها بعيدة عن صنع القرار، وكذا يجعل المحتوى الاعلامي لا يتغير كثيرا في تناوله التقليدي الذكوري تجاه المرأة ويعكس صورة نمطية لها.
الصحفيات.. الصعوبات والتحديات
تواجه الصحفيات اليمنيات تحديات جمة منها ما هو قديم ومستمر مثل العادات والتقاليد، والانتماء لمجتمع تسيطر عليه الذكورية الأبوية والذي يضع الكثير من التمييز والفروقات القائمة على النوع الاجتماعي تجاه النساء؛ كما يرى ان العمل الصحفي بحد ذاته لا يناسب النساء. اضافة الى تحدى الدور المزدوج الذي تقوم به كأم وربة منزل.
وكما أحدث التطور في مجال تكنولوجيا الاتصال ثورة في عالم المعلومات واستفادت الصحافة منه كثيرا والعاملات فيها أيضا، كان له جوانب وانعكاسات سلبية على الصحفيات في انه أصبح أداة لتعرضهن للعنف اللفظي والتهديد والابتزاز الالكتروني.
وبرز في العقد الأخير تحد جديد لم يكن في الحسبان وهو الحرب التي أثرت على كل شيء وعلى كل الفئات ومختلف الأعمار، واحدثت تغيرا جذريا في الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في اليمن. وتأثرت النساء بشكل مضاعف، كما تأثرت الصحافة والصحفيون اناثا وذكورا بشكل كبير بتلك التغيرات.
وفي هذا الظرف الصعب الذي طال الصحافة كانت الصحفيات الحلقة الأضعف حيث تعرضن لكل الضغوط العامة التي واجهها زملاؤهن من فقدانهن لأشغالهن، وشتات ونزوح الكثير سواء نتيجة تهديد مباشر كونهن صحفيات أو بسبب القصف، كما عملت بعضهن في مهن تدر دخلا للأسرة بعد انقطاع مرتباتهن. إضافة الى تحديات ومخاطر قائمة على النوع الاجتماعي، حيث أصبحت المهنة محفوفة بالمخاطر وهذا جعل قيود الأسرة أكبر حيث ان فكرة تعرض المرأة للاعتقال تجعلها عرضة للتحرش أو الاغتصاب وهذا كان التخوف الأكبر للنساء العاملات في الصحافة، وكثير منهن توقفن عن ممارسة المهنة. ومع طول أمد الحرب أصبحت القيود تزداد يوما بعد يوم على عمل النساء وحركتهن التي أصبحت ممنوعة إلا بمحرم.
ولمن عدن للعمل عبر مؤسسات أخرى بعد إيقاف مؤسساتهن واغلاقها او من التحقن بالعمل خلال الحرب، فقد واجهتهن صعوبات ومعوقات متعلقة بالوضع السياسي والأمني الجديد أدى لتقييد حريتهن الشخصية وحريتهن المهنية وقدرتهن على الكتابة والتعبير بحرية وأمان.
حيث فرضت جماعة الحوثي ظروف عمل خاصة بالعمل الصحفي في مناطق سيطرتها، وكان الصحفيون الفئة الأكثر عرضة للتهديدات والاعتقالات. وكانت اليمن كمجتمع محافظ تعطي النساء خصوصية في التعامل حيث لا يواجهن التهديد والاعتداء الجسدي والاعتقال لممارسة مهنتهن. لكن هذا تغير عقب الحرب ووجهت تهديدات مباشرة للصحفيات وخاصة مراسلات الوسائل الخارجية والصحفيات اللاتي اظهرن معارضتهن للوضع القائم، بالتوقف عن الكتابة والا سيكن عرضة للاعتقال والاختطاف. والأمر الأكثر سوءا هو عدم قدرتهن على تقديم شكوى لأي جهة نتيجة تلك التهديد والاكتفاء بالتوقف عن العمل الصحفي.
نتائج تفصيلية خاصة بالصحفيات
شاركت في الاستبيان 44 صحفية بنسبة 20.7% من اجمالي المبحوثين وهذه نسبة جيدة حيث ان نسبة الصحفيات في المؤسسات الإعلامية كما سبق الإشارة تتراوح بين 13- 17%، ولا تتعدى نسبة عضوات نقابة الصحفيين الـ10%. وهو مؤشر لتفاعل إيجابي مع الاستبيان ورغبة في إيصال صوتهن وآرائهن. تعيش 35 منهن في اليمن بنسبة 79.5% وتسع صحفيات في الخارج خمس منهن في مصر.
من يعملن في الصحافة ما بين خمس الى خمسة عشر عاما 43.1% يليهن من لديهن خبرة اقل من خمسة أعوام بنسبة 34% فيما البقية لديهن خبرة أكثر من عشرين عاما. ونستنتج من خلال هذه النسب أن غالبية المشاركات بدأن عملهن الصحفي خلال سنوات الحرب أو قبلها بفترة قليلة، وهو مؤشر إيجابي لرغبة النساء خاصة الشابات في العمل الصحفي رغم الصعوبات والتحديات التي تواجههن نتيجة الصراع المسلح المستمر منذ عشر سنوات. كما دلت نتائج الاستبيان أن 36.4% منهن يعملن كصحفيات مستقلات “لاينتمين لأي مؤسسة إعلامية” وهذا يؤكد الاستنتاج السابق من رغبة الصحفيات الشابات بالعمل الصحفي رغم التحديات واللجوء للعمل الصحفي الحر نتيجة اغلاق العديد من المؤسسات الإعلامية الخاصة والحزبية والناتج عن أسباب تعود للصراع، كما ان العمل الحر يتيح لها الموازنة بين التزاماتها الأخرى الأسرية وكذا العمل حسب الوضع الأمني واستقراره نسبيا، إضافة الى حرية اختيارهن وتناولهن للمواضيع والمواد الصحفية. بالإضافة الى ان المؤسسات الإعلامية لم تعد قادرة على الإلتزام بأجور ثابتة لعديد كبير من الصحفيين.
يليهن الصحفيات العاملات في مواقع إلكترونية بنسبة 29.5% وهذا يدل على أهمية الصحافة الإلكترونية التي تطورت في اليمن منذ انطلاقها العام 2003، ثم أصبحت بديلا عقب الاغلاق والتضييق التي تعرضت لها المؤسسات الإعلامية وكذا تدهور الوضع المالي لتلك المؤسسات، فأصبحت الصحافة الإلكترونية البديل الأنسب كذلك للصحفيات أيضا اتاحت لهن العمل عن بعد وتقليل المخاطر التي قد يتعرضن لها. ولكن الأمر لا يخلو من سلبيات استغلال حاجة الصحفيات والتعامل معهن بالقطعة التي تجعل الأجر يقيمه مالك الموقع أو رئيس التحرير وهذا يرفع الفجوة بين الأجور بين الجنسين، إضافة الى عدم الالتزام بعقود عمل تضمن حقوق الصحفيات. وتوزعت بقية نسب جهات العمل التي تنتمي لها الصحفيات بالترتيب الإذاعة، الصحافة الورقية، ثم التلفزيون.
وتمثل عضوات النقابة المشاركات في الاستبيان 45% بينما مثلت غير الحاصلات على العضوية على 4٨% ونستقرأ من ذلك وبالإشارة الى مأتم ذكره فيما يتعلق بسنوات الخبرة حيث ان معظمهن بدأن العمل خلال سنوات الحرب والتي توقفت خلالها النقابة لسنوات في استقبال طلبات العضوية، ويدل أيضا على تفاعل الصحفيات من غير العضوات أنشطة النقابة ومنها هذا الاستبيان، وهو تفاعل يدل على وعيهن بأهمية النقابة ودورها بالنسبة للصحفيات.
تأثير الحرب على الصحفيات
وأكدت الصحفيات تأثرهن بالصراع المستمر في اليمن منذ عشرة أعوام بنسبة ٨٩% بينما ارتفعت النسبة إلى 91.1% من اجمالي عدد المبحوثين اناثا وذكورا وهي نسبة مرتفعة جدا ومن اعلى نسب نتائج الاستبيان. وتؤكد ما أشرنا اليه من تأثر الصحفيات بالصراع على الصعيد المهني بشكل رئيس، من حيث فقدان اعمالهن وإيقاف المرتبات والنزوح والتشرد ثم المخاطر الأمنية والمخاوف السياسية والمحددات التحريرية التي فرضها الوضع الجديد.
وتصدر “خوف الأسرة من تعرض الصحفية للاعتداء” الأسباب التي أثرت على الصحفيات بنسبة 29.5% من إجابات المشاركات، وهي متقاربة مع اجمالي إجابات المشاركين من الصحفيات والصحفيين والتي بلغت 28.2% ، فكما اشرنا ان الصحفيين تعرضوا لاستهداف مباشر سواء بالتهديد او الاعتقال ووصول للقتل، ما جعل الأسر تمنع بناتها ونساءها العاملات في الصحافة من الاستمرار في العمل خاصة بعد تعرض بعضهن لتهديدات مباشرة. ما رفع تخوف الأسرة من تعرض الصحفية للاعتقال وماقد ينتج عنه من تعذيب وتحرش او اغتصاب هاجسا يجعلها تقرر منع الصحفيات من الاستمرار في عملهن.
وأتى ” فرض قيود خاصة بالنساء من وجوب التنقل بمحرم، والإذن المسبق من ولي الأمر..” ثانيا في الأسباب التي أثرت على الصحفيات بنسبة 27.3% ونستدل منه على تأثيرها من حيث الحد من قدرتهن على التنقل الذي يفرضه العمل الصحفي سواء داخليا او خارجيا، وفي حالة موافقة ولي الأمر فأن ذلك يتطلب إجراءات ومعاملات طويلة مع الجهات التابعة لوزارة الداخلية، وهناك حالات لم يسمح لها بالسفر داخليا أو خارجيا حتى مع وجود اذن من ولي أمرها! ما حرم الغالبية العظمى من الصحفيات اليمنيات من المشاركات الخارجية كالمؤتمرات وورش العمل والدورات التدريبية منذ بدء الحرب.
وجاء السبب الأمني حيث التحرك داخل وخارج المدن غير آمن في المركز الثالث من الأسباب بنسبة 25% وكانت السنوات الأولى من الحرب شهدت اشتباكات عنيفة على الأرض في عدد من المدن ومناطق التماس وكذا هجمات جوية في اغلب المناطق ماجعل المدنيين هدفا لتلك النيران، وأصبح الصحفيون عرضة بشكل اكبر ومباشر للاستهداف كونهم صحفيين. وهذا جعل الصحفيات يجبرن على ترك العمل الصحفي، لعدم القدرة على الوصول لأماكن عملهن وعدم قدرتهن على العمل الآمن على الأرض، إضافة للاستهداف المباشر للمؤسسات الإعلامية والصحفيين ذكورا واناثا، ولما لهذا السبب من تأثير فقد ارتفعت نسبته الى 37.1% من إجابات المشاركين من الصحفيات والصحفيين اجمالا. ولايزال التنقل غير آمن بسبب عدم الاستقرار التام بين هدن غير دائمة وصراعات داخل كل منطقة إضافة الى تكرار الهجمات الجوية الخارجية التي ماإن تتوقف حتى تعود أكثر شراسة.
وحل أخيرا ” العادات والتقاليد التي تفضل ابعاد النساء عن الصراع” بنسبة 18.2%، وهو من الأسباب التي يراها الكثير إيجابية وتعمل تمييزا إيجابيا لصالح النساء خاصة وهن بعيدات عن الخوض في المواجهات. وهناك من يراه مرتبط بخوف الأسرة من الاعتقال او الانتهاك الجسدي الذي قد تتعرض له الصحفية ما يجعلها وصمة للعائلة.
ورغم إصرار الصحفيات على تحدي كافة الظروف الناتجة عن الصراع إلا أن هذا لا ينفي تعرضهن لضغط نفسي شديد عقب نشر موادهن الصحفية، والناتج عن خوفهن من التعرض للإنتهاك عقب النشر و هذا ما أكدته 95.5%. ومنه نرسم صورة للجو النفسي المحيط بالعمل الصحفي خلال أعوام الحرب. وقالت 90.9% من المشاركات انهن يشعرن ان نشاطهن الصحفي خاضع للرقابة والرصد. مايجعل 63.6% منهن يلجأن أحيانا لإخفاء هويتهن عند نشر موادهن خوفا من الانتهاكات. وحتى تستمر الصحفيات في العمل ويتجاوزن عوائق ومخاطر الصراع كان من الأساليب التي اتبعنها الالتزام بالقيود والمحددات التي فرضتها السلطات بنسبة 29.5%، والبعض اخترن الاستعانة بالنشر الإلكتروني بنسبة 22.7%، ثم كان السفر واللجوء خارج اليمن بنسبة 20.4%، ومن الصحفيات من اضطرت لإخفاء هويتها واستخدام اسم مستعار بنسبة 15.9%، ومن المعالجات التي قامت بها الصحفيات لتجاوز العوائق والمخاطر تجنب النشر فيما قد يتسبب بالأذى، والتوقف المؤقت عن العمل، ومنهن من توقفن تماما عن العمل الصحفي.
ومن أشكال التضييق التي تتعرض لها الصحفيات “طلب تصريح مسبق قبل القيام بمهمة صحفية” بنسبة 52.3% وهذا الإجراء اصبح يشمل المواد الصحفية الاجتماعية والثقافية والرياضية حيث لم يعد محصورا بالمواد السياسية والأمنية، كما انه يتنافى مع حرية الصحافة والتعبير التي كفلها الدستور والقانون، ولم يعد من اجل دواع أمنية “مبررة” ولكن لتقييد الصحافة والتضييق على العاملين فيها من الجنسين. كما استجد مع الحرب بشكل كبير طلب بعض الجهات “معلومات عن المهمة الصحفية” وهذا ماتعرضت له 43.2% من الصحفيات، وهو اجراء إضافي لتقييد العمل الصحفي والتضييق على الحريات الصحفية وليس تخويف الصحفية بل والمصادر التي يعرف أكثرها بالتضييق الحاصل فيعتذر عن المشاركة في الادلاء بتصريح أو ذكرها كمصادر. وقالت 25% من المشاركات في الاستبيان انه تم طلب “مرافقة عناصر أثناء القيام بالمهمة الصحفية” ما يجعلها ومصادرها تحت رقابة مباشرة تحد من قدرتها على جمع المعلومات واخذ التصريحات بحرية.
مواقع التواصل الاجتماعي والابتزاز الإلكتروني
مثل الانترنت بديلا ومتنفسا للصحفيات في ذلك الكم من القيود والمعوقات التي اضاقتها الحرب لهن، حيث استفادت العشرات منهن من التدريبات التي تقدمها مؤسسات صحفية محلية وخارجية، وكذا حلقات وورش عمل وندوات تتم عبر الفضاء الافتراضي. كما ان مواقع التواصل الاجتماعي جعلهن ينتقلن ببعض عملهن وأراءهن وحتى خواطرهن لذلك العالم الافتراضي، ولكن الصحفيات لم يكن في مأمن أيضا في ذلك الفضاء، حيث يؤكد الاستبيان تعرضهن للعنف القائم على النوع الاجتماعي لكونهن نساء بنسبة 86.4%، ورأى المبحوثين من الجنسين ان الصحفيات يتعرضن للعنف والتهديد لكونهن نساء بنسبة 60.1%. وحسب المشاركات في الاستبيان فإن 72.7% منهن يمتنعن عن نشر آرائهن على شبكات التواصل الاجتماعي خوفا من التعرض للعنف والتهديدات. وأكدت 27.3% من الصحفيات تعرضهن للإبتزاز الإلكتروني بسبب عملهن الصحفي.
ونشير هنا ان الابتزاز والعنف الالكترونيين تجاه النساء عامة والصحفيات خاصة قد ارتفعا خلال السنوات القليلة الماضية حيث تشير الأبحاث الى تعرض 25 امراة يوميا لانتهاك عبر وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن وبلغ عددهن خلال العامين 2020 – 2021 خمسة ألف حالة عبر اختراق حساباتهن او سحب ملفات صورهن من حساباتهن الشخصية أثناء إصلاح الموبايل أو أجهزة اللابتوب، ويعد هذا الرقم كبير جدا نسبة الى عدد غير المبلغات وهن بالمئات خوفا من المجتمع وكلام الناس والعادات والتقاليد بالدرجة الأولى.
ولاتزال قضايا الإبتزاز والعنف الإلكتروني محدودة التعامل معها قانونيا حيث انه لايوجد قانون خاص بها، ما يجعل الإبلاغ عنها محدود للغاية، وبدأ تداولها عقب وقوع جرائم قتل أو إنتحار على خلفية ابتزاز الكتروني. وعادة ما يحمل المجتمع الفتاة أو المرأة مسؤولية وقوعها ضحية للتهديد والابتزاز الإلكتروني ويتهمها في أخلاقها وشرفها، الأمر الذي يعمل على حماية الجناة وزيادة عدد الضحايا.
كما ان 88.6% من الصحفيات لا يلجأن لتقديم شكاوى أو اللجوء للقضاء في حالات تعرضهن للعنف سواء المباشر أو الإلكتروني، وأتى على قائمة أسباب عدم تقديم شكوى يأتي عدم الثقة في السلطات بنسبة 56.8%، ما يعكس عدم العلاقة الجيدة بين النساء والجهات الأمنية والقضائية، وتأثر تلك الجهات بعادات وتقاليد المجتمع التي عادة تقف إلى صف الرجل ولا تدعم النساء وتشجعهن للجوء للقانون لأخ حقوقهن وحمايتهن. وترى 63.6% من الصحفيات أنه لا توجد حماية قانونية فعلية للصحفيين وهذا ما يفسر أيضا عدم اقبالهن على تقديم شكاوي حال تعرضهن للعنف والتهديد بشكل عام.
اما اللاتي تقدمن بالشكوي ونسبتهن 11.4%، حالتان فقط تم التجاوب معها وحل الخلاف وديا ليس من قبل الجهات المعنية ولكن من تدخل وساطات.
وعن ابلاغ النقابة عند التعرض للانتهاك والتهديد لم تقم 72.3% من الصحفيات بإبلاغ النقابة عن تعرضها للتهديد، وهذا يعكس سيطرة العادات والتقاليد عليهن والخوف من الحديث عن الانتهاك والإبتزاز، كما يعكس ضعف العلاقة بين النقابة والصحفيات وعدم وجود آلية تشجعهن على الحديث والإبلاغ عن الانتهاكات، وكذا عدم ثقتهن في نقابتهن، كما ان نسبة كبيرة لسن عضوات في النقابة وهذا مايجعلهن يعتقدن ان النقابة لن تقدم لهن العون. وفي الحالات التي تقدمت ببلاغ للنقابة وعددهن عشر حالات فقد اكدت سبع منهن تجاوب النقابة مع بلاغاتهن بفاعلية.
ورغم النسب المرتفعة التي تعكس احجام الصحفيات عن تقديم الشكاوى والبلاغات في حالات الانتهاكات، الا ان 59.1% منهن يرين ان من اهم مايمكن ان تقدمه نقابة الصحفيين لحمايتهن وحماية الصحفيين بشكل عام هو تقديم شكاوى قضائية ضد المنتهكين لدى القضاء اليمني أو الدولي. و قالت 34.1% ان تقديم النقابة للدعم القانوني يعمل على حماية الصحفيين، وهذا يدل على التوجه المدني للصحفيات والوعي بأهمية الدعم القانوني واللجوء للقضاء لكنهن بحاجة لآلية تدعم قناعتهن هذه وتعمل على تشجيعهن عمليا للتقاضي وطلب العون القانوني حال انتهاكهن بسبب عملهن الصحفي.
الخلاصة
الحرب الدائرة في اليمن منذ عشرة أعوام أثرت بشكل كبير على الصحفيات والصحفيين اليمنيين، وكان تأثيرها مضاعفا على الصحفيات بسبب قيود ومعوقات ومخاطر قائمة على التمييز بناء على النوع الاجتماعي، فرضتها عليهن أطراف الصراع، وتمثلت في التهديد المباشر والعنف والإبتزاز الإلكتروني، والعادات والتقاليد التي تتحكم فيها الأبوية والذكورية التي تؤذي النساء تحت مسمى حمايتهن، فيما يحرمن من الحماية بمختلف أشكالها وحتى لجوئهن للقضاء يعتبر عيبا بنظر المجتمع، حتى ان من تقدم شكوى قضائية تقوم بكتابة مديح لأسرتها لدعمها ويحتفي بها الاعلام والحقوقيون والنسويون.
ومع تراجع الخطوات التي كانت قطعتها النساء في مجال الصحافة نتيجة طول أمد الحرب، أصبحن يعملن في بيئة محفوفة بالمخاطر الجسدية والنفسية، فلا تكاد الصحفية تنشر موضوعا حتى تشعر بالرعب من ردود الفعل ومن مايمكن ان يكون ناتجا عما كتبته بغض النظر عن كونه سياسيا أو ثقافيا وحتى لو تحدثت عن تدهور الوضع الصحي، فكل نقل للواقع لم تعد تتحمله اطراف الصراع التي تعددت وتنوعت، مع فقدان الحكومة والدولة لسلطتها وتطاول الجميع على الدستور والقوانين.
ان الصحفيات بحاجة لبيئة آمنة للعمل وعلى الجهات المعنية ونقابة الصحفيين التعاون من اجل تحقيق ذلك، وعليه نوصي بالتالي:
● على الجهات الرسمية القيام بواجبها تجاه حماية الحريات الصحفية من خلال حماية الصحفيات من الانتهاكات والاعتداء.
● دعوة المنظمات المعنية بحقوق الانسان وحرية الصحافة إلى توفير دعم مهني وقانوني للصحفيات.
● إيلاء المزيد من الاهتمام بالصحفيات والذي تراجع كثيرا عقب الحرب وتشجيع انتسابهن للنقابة.
● على المؤسسات الإعلامية حماية الصحفيات العاملات فيها من أي تهديد خارجي نتيجة عملهن، وكذا من التحرش داخل العمل وتشجيعهن للإبلاغ عنه ومحاسبة مرتكبيه.
● تبني النقابة لآلية تسهل على الصحفيات تقديم شكاوى العنف والابتزاز الالكتروني، وتدريب الصحفيات في مجال الحماية الالكترونية، وتقديم الدعم القانوني لهن.
● التزام المؤسسات الإعلامية بقانون العمل في كافة الأمور المتعلقة بالمرتبات والأجور والمكافآت بالعاملين من الجنسين.
# من تقرير الحريات خلال عشر سنوات من الحرب على الصحافة

شاهد أيضاً

نقابة الصحفيين بحضرموت تدين الممارسات الترهيبية بحق الصحفي عبدالجبار باجبير

تتابع نقابة الصحفيين اليمنيين فرع حضرموت وشبوة والمهرة ما يتعرض له الزميل الصحفي عبدالجبار باجبير …